للباحث العراقي معن آل زكريا
بقلم الأسـتـاذ الـدكـتـور : عادل البكري
كتبٌ كثيرةٌ صدرت عن مدينة الموصل لعدد من المؤلفين منذ القديم حتى الآن . و الحقيقة إنها مدينة تستحق الكتابة عنها , فهي أم الربيعين و هي ( خلائف ) مدينة نينوى , بل قل هي (نينوى الجديدة ) , فقد قامت في أحضان نينوى ثم توسعت فأصبحت اكبر منها و أكثر اتساعاً .
و جاء كتاب آخر للباحث الأديب معن عبد القادر آل زكريا ليكمل هذه السلسلة من الكتب عن الموصل , و هو كتاب أنصف المؤلف فيه عندما جعل عنوانه ( تأريخ أهل الموصل ) و ليس تأريخ سكنة الموصل ... الذي هو تأريخ أقوامها و عشائرها , فهناك كتب عدة عن تاريخ هؤلاء من سكان هذه المدينة .
و هو ليس تاريخ أنسابها و عوائلها , فقد وضعت عدة كتب عن عوائل الموصل وأنسابها بشكل مفصل . و هو ليس تاريخ أعلام هذه المدينة و تراجمها , فثمة كتب كثيرة عن أعلام الموصل و شخصياتها ... لكنه كتاب فيه أي شيء عن أهل هذه المدينة . إذ جعل المؤلف أهلها كلهم عائلة واحدة على اختلاف أعراقهم و أديانهم و صار ينظر إليهم من علٍ ليرى ماذا فعلوا و ما تراهم اليوم هم فاعلون ليكتب الشيء الذي يراهُ مذ وقع نظره على ما خلّفه اولئك . و لا يسعنا إلا أن نعجب بذاكرة السيد معن و صبره و جلده في ذكر المعلومات الكثيرة عن أناس ربما كنا قد نسيناهم و غفلنا أعمالهم , فالكتاب بمحتواه هو أرشيف عجيب عن أهل هذه المدينة يتضمن كل عجيبة و غريبة عنهم .
و يبدأ الكتاب بذكر ( أول من حصل على وسام عثماني .... ) ثم يمضي الباحث بذكر الأوائل من الناس حتى نهاية الكتاب , أي انه يذكر كل أول شخص قام بعمل ما من أهل المدينة بما في ذلك صنائعهم و أعمالهم الأدبية و الثقافية و المهنية , فضلا ً عن معلومات و تقارير شخصية و مقالات من كل نوع . و يقول الباحث في مقدمة الكتاب انه يرحب بكل من يرى (وجوب إحداث تعديل او تغيير او حذف او اضافة في متن الكتاب فليزود بها المؤلف ) .
و بناءً على ذلك , فأنا اقول ان التعديل و التغيير لا يمكن لأن المؤلف اتى بمعولمات موثقة توثيقاً اصيلاً من اصحابها على وفق الاعتماد على سيرهم الذاتية ... ناهيك عن التقارير و الوثائق القديمة التي اطلع عليها و ثبتها .
اما الحذف فهو ايضا ً لا يمكن لأن كل مؤلف يريد ان يقدم للقراء افضل ما عنده من المعلومات فهو يعرض افكاره من خلال ما يكتبه فلا يصح ان يطلب منه القارئ بقولٍ ( احذف هذا الفصل او تلك المعلومات ) . و مع كل ذلك فهناك في الكتاب أشياء كان يجب أن تحذف فهي محشورة ٌ حشراً و لا لزوم لها في رأيي الشخصي . أما الإضافة فهي شيء ممكن , و قد شجعني ذلك ان أضيف بعض المعلومات عن الاوائل من الناس او الاوائل من الاحداث المهمة في الموصل و هي معلومات قد اغفلها الاخ معن في متن كتابه , اشعر معها بواجبٍ يدفعني ان اطلب توثيقها بالنظر لأهميتها . ان اول امرأة موصلية عالمة ٌ مؤجّزةٌ لبست الجُـبّـة و العمامة و تزيت بــزّي رجال الدين و العلماء هي الحاجة أسماء بنت الملا احمد الملاح من سكنة محلة الامام عون الدين في اواخر القرن التاسع عشر و اوائل القرن العشرين . و قد كان يجتمع في بيتها العلماء للتدارس و المناظرة يوم الجمعة من كل اسبوع . و كانت قد أخذت التأجيز العلمي من يد رئيس العلماء (زمنئذٍ ) الشيخ عبد الله باشعالم .
و ان أول دعاية في الصحف الموصلية للمشروبات الكحولية كانت تباع في الموصل , ذلك الاعلان عن ( بيرة ام البنت ) المنشور في جريدة الموصل لصاحبها يونان عبو اليونان في عددها ذي الرقم 1113 بتاريخ 14 حزيران سنة 1926 . وقد جاء في الاعلان ما نصه ( أفخر انواع المشروبات تجدونها في خان المفتي محل تيما عزوز ) مع تصوير لقنينة البيرة و مكتوب تحتها ( إحذروا التقليد ) !!!
و أن أول من صنع قوالب الطباشير محلياً في الموصل المستخدمة للكتابة على اللوحات الخشبية و السبورات في المدارس هو المرحوم حسيب افندي السعدي , و كان ذلك في ثلاثينات القرن الماضي . و كان يجري الصنع في داره الخاص في قوالب خاصة و بعد أن تكتسب درجة اليباس يقوم بوضعها في صناديق صغيرة من الكارتون و يزود بها مديرية المعارف في منافسةٍ منه للطباشير المستورد من الدول الاجنبية .
و أول تمثيلية عن حياة السيد المسيح في الموصل جرى الاعلان عنها في جريدة ( الموصل ) العدد نفسه (1113 في 14 حزيران سنة 1926 ) و جاء في الإعلان ان التمثيل سيكون على مسرح كنيسة الكلدان و تباع البطاقات في المدخل و سعر البطاقة ربيّة واحدة للموقع الاول , و نصف ربيّة للموقع الثاني , و يضيف الاعلان : ( اغتنموا هذه الفرصة الوحيدة ) !
و أول تكية للطريقة المولوية الصوفية في الموصل ( أي الدوران او الرقص المولوي الصوفي على انغام الموسيقى ) هي التكية التي أمر الملا عثمان الموصلي ابنه احمد بإقامتها في الموصل في مسجد شمس الدين الواقع في محلة ( باب عراق ) على شارع الفاروق القديم . و لم تكن الطريقة المولوية معروفة في الموصل قبل ذلك الوقت , فكان الملا عثمان أول مؤسس لها في الموصل و ذلك سنة 1910 , و بقي شيخاً لهذه الطريقة حتى قيام الحرب العالمية الاولى سنة 1914 فقد اغلقت التكية ابوابها لإنتقال شيخها الملا عثمان الى بغداد و اقامته فيها ( المصدر كتاب عثمان الموصلي الموسيقار الشاعر المتصوف لمؤلفه الدكتور عادل البكري ) .
و بهذه المناسبة , و طالما نحن في ذكر الاوليات لأهل الموصل , فإن كاتب المقال الدكتور عادل البكري كان أول من نفض الغبار عن عثمان الموصلي و أظهر شخصيته و كتب تاريخ حياته في ثلاثة كتب متوالية في سنة 1966 و ما بعدها , و كانت هذه الكتب مرجعاً وحيداً لكل من كتب عن عثمان الموصلي .
كما انه ( أي المؤلف ) اخرج عنه مسلسلاً تلفزيونياً في قناة تلفزيون بغداد و اجتهد في اقامة تمثال له في الموصل امام بناية محطة القطار و لا يزال التمثال قائما ً .
كما ان كاتب المقال الدكتور عادل البكري اول من حقق عروبة الارقام المغربية التي كانت تدعى سابقاً بالارقام الانكليزية , و شرح تطورها في المغرب و الأندلس على يد ( ابن الياسمين ) و بيّن الاختلاف بين الارقام القديمة المشرقية التي كانت و لاتزال مستعملة عندنا , و الارقام المغربية و هي عربية ايضاً و من أصل واحد , و قدّم تقريراً حول ذلك الى المجمع العلمي العراقي و شرح هذا التطور عن طريق تلفزيون بغداد ( القناة الثانية ) سنة 1975 و أدّى ذلك الى اتخاذ قرار بإستعمالها في دوائر الدولة و من ثم انتشارها في العراق و الوطن العربي و لا تزال عنده الاوليات و الوثائق الخاصة بهذا التطور الذي هو موثق في مجلة المجمع العلمي العراقي ( المجلد السادس و العشرون سنة 1975 ) , كما انه ( أي كاتب هذا المقال ) سبق و أن اكتشف قبر المتنبي في النعمانية عندما كان رئيساً لصحة لواء واسط سنة 1964 فكانت اول أول معرفة بوجود هذا القبر , و قد أقرّت مديرية الآثار العامة و جامعة بغداد و المجمع العلمي العراقي صحة اكتشافه و أرسلوا مندوبين عنهم الى النعمانية و من جملتهم الدكتور فيصل الوائلي و الدكتور احمد سوسة فصار البحث في هذا الموضوع و كتابة اقرار به و أقيم على اثر ذلك مهرجان المتنبي في بغداد مع اقامة تمثال له في شارع الرشيد علما ً بأن هذا الاكتشاف موثق في مديرية الآثار العامة و منشور في مجلة (سومر ) العائدة لهذه المديرية ( الجزء الثاني – المجلد 27 سنة 1971 ) .
هذه اضافات عن اوليات اعمال أهل الموصل في جميع المجالات , إلحاقاً بما كتبه الاستاذ معن آل زكريا و ما أشار اليه في مقدمته عن ضرورة كتابة مثل هذه الإضافات .
علماً بأن في الكتاب مواضيع مهمة تدل على الجهد الذي بذله مؤلف الكتاب و من ذلك الفصل المتعلق بالعلاّمة المرحوم محمد صديق الجليلي و الفصل الآخر عن أقدم ذكر لعلماء الموصل و ادبائها في التاريخ و فصلا ً آخر عن تاريخ أرقام السيارات في الموصل , و فصولٌ أخرى .
و أنني لا أزال اقول ان كل من وضع كتاباً او نظم شعرا ً أو قال كلمة في حق هذه المدينة او في حق العراق او في حق الوطن العربي , فهو قد عبّر بصدقٍ حقيقي عن وطنية ٍ خالصة و سعى بجهدس اكيد من أجل امته ... قهو اذن يستحق الثناء ... والله من وراء القصد .
د. عادل البكري